التعليم في أفغانستان تحت الحصار.. أبعاد إنسانية واقتصادية تحتاج إلى استجابة دولية عاجلة

التعليم في أفغانستان تحت الحصار.. أبعاد إنسانية واقتصادية تحتاج إلى استجابة دولية عاجلة
أطفال يفترشون الأرض لتلقى أحد الدروس

حذّرت وكالات الأمم المتحدة من انهيار متسارع للنظام التعليمي في أفغانستان، مؤكدة أن ملايين الأطفال محرومون من التعليم الفعّال وأن ما يجري في المدارس أصبح غالبًا "تعليمًا بدون تعلم"، لافتة إلى أن أكثر من مليوني طفل محرومون من الالتحاق بالمدارس، وأكثر من تسعين بالمئة من الأطفال في سن العاشرة غير قادرين على قراءة نص بسيط، ما يعكس أزمة في التعلّم لا تقل خطورة عن مسألة الإتاحة نفسها، وتمتد تداعيات هذه الأزمة من الأبعاد الإنسانية المباشرة إلى خسائر اقتصادية واجتماعية طويلة الأمد، وفق منظمة "اليونيسف".

أسباب متعددة ومتداخلة

تتلاقى عوامل عدة لتغذي أزمة التعليم، في مقدمتها السياسات التقييدية التي فرضتها حركة طالبان منذ استيلائها على السلطة في 2021، والتي شملت حظر تعليم الفتيات على مستوى التعليم الثانوي والجامعي، ما أبعد نحو 2.2 مليون فتاة عن المدرسة الثانوية وفق حسابات اليونيسكو واليونيسف وأثار خطر استبعاد نحو أربعة ملايين فتاة بحلول عام 2030 إذا استمر الحظر، وهذا القصور في إتاحة التعليم يقابله نقص في الموارد والاستثمار وانسحاب جزء من التمويل الخارجي بحسب "اليونسكو".

عامل آخر هو الضغط المتزايد على النظام نتيجة موجات العودة والترحيل من دول الجوار فمنذ 2023 عاد أو رُحّل نحو 2.7 مليون شخص إلى أفغانستان، وتمثل الفئات الشبابية نسبة كبيرة من العائدين، ما زاد فجأة الطلب على المدارس والمعلمين والبنية التحتية التعليمية الهشة، إلى ذلك، تضاف الكوارث الطبيعية والحوادث المناخية والزلزالية التي دمرت مدارسًا وبنيات تحتية حيوية، فيما تعاني المدارس من نقص المياه الصحية ونقص المرافق والتدفئة، كما أن أكثر من ألف مدرسة خرجت عن الخدمة، وفق "اليونيسف".

انهيار في جودة التعلّم

لا تقف الأزمة عند عدد الأطفال خارج المدرسة، بل تمتد إلى محتوى التعليم نفسه، فمؤشرات "فقر التعلّم" التي تقيس قدرة الأطفال بعمر العاشرة على قراءة وفهم نص بسيط تظهر مستويات بالغة السلبية في أفغانستان، ما يعني أن ملايين الملتحقين بالمدارس لا يكتسبون المهارات الأساسية اللازمة للحياة والمشاركة الاقتصادية مستقبلًا، وتراجع جودة التعليم يعود إلى شح المعلمين المؤهلين، لا سيما المعلمات اللواتي يُعدّ غيابهن عقبة رئيسية أمام عودة الفتيات للمدارس بالمعايير الثقافية المحلية، وإلى ضعف الموارد التعليمية والمناهج المتغيرة باستمرار بحسب البنك الدولي.

تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية

عواقب انتهاك الحق في التعليم قصيرة وطويلة الأمد، فعلى المستوى الإنساني تحرم الفتيات من القدرة على اتخاذ قرارات صحية واقتصادية، وتزيد مخاطر الزواج المبكر والاستغلال، وتفاقم الأثر النفسي لدى الأطفال الذين يرون آفاقهم تتقلص، واقتصادياً تشير تحليلات اليونسكو إلى أن تعليق وصول النساء إلى التعليم العالي والعمل قد يكبد الاقتصاد الأفغاني خسائر تُقدّر بنحو 9.6 مليار دولار بحلول منتصف القرن، فضلاً عن تقليص قدرة البلد على التعافي والنمو، كما أن الفجوة في المهارات ستغذي البطالة والهجرة غير النظامية والاعتماد على الشبكات الهشة للدخل. 

ردود المنظمات الدولية والحقوقية

استنكرت منظمات حقوقية دولية وإقليمية القيود ضد تعليم الفتيات واعتبرتها انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية، اليونيسف واليونسكو أصدرتا تحذيرات عاجلة ودعتا السلطات إلى رفع الحظر فورًا ووضع خطط استثنائية لتعويض التعلم المفقود وحماية الإنصاف بين الجنسين، وربطت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش القيود بانتهاكات واسعة لحقوق النساء والفتيات، بينما دعت هيئات أممية أخرى إلى تعزيز تمويل التعليم الطارئ والولوج البديل للمعرفة، كما قررت هيئات حقوق الإنسان الدولية دراسة الخطوات القانونية الممكنة لحماية الحق في التعليم بعد أن أصبحت القيود منهجية ومؤثرة على نطاق واسع.

الإطار القانوني الدولي والالتزامات

يُدخل ما يحدث في إطار التزامات دولية واضحة حيث يعترف العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بحق التعليم ويُلزم الدول بضمان التعليم الابتدائي المجاني وإتاحة التعليم الثانوي تدريجياً، ويشكل التقييد المنهجي لحق الفتيات في التعليم خرقاً لهذه الالتزامات، ويثير بالتالي مسؤوليةً دولية تتطلب تداخلاً تحفظياً وعملاً دبلوماسياً وإنسانياً لتطبيق ما نصّت عليه المواثيق والأحكام العامة المعنية بحقوق التعليم بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

ماذا تطالب الوكالات والمنظمات؟

تدعو اليونيسف واليونسكو ومجموعة من الشركاء الدوليين إلى حزمة من الإجراءات المتزامنة منها: إنهاء الحظر على تعليم الفتيات فورًا،و ضخ تمويل طارئ للتعليم في حالات الطوارئ يصل إلى ملايين الأطفال مع تركيز خاص على التعليم الأساسي والمهني، وإعادة بناء المدارس المدمرة وإعادة تأهيل المعلمين وتوظيف معلمات، وتوسيع البدائل المجتمعية للتعلم وصولًا إلى تعزيز شبكات حماية اجتماعية تستهدف الأطفال الأكثر تهميشًا، كما تطالب وكالات الإغاثة بتنسيق إقليمي لمعالجة أزمات العودة والاندماج وتفادي عودة موجات الترحيل بلا خطط استيعاب. 

أمام أفغانستان الآن فرصة حاسمة لوقف تآكل مستقبل أجيال بأكملها حيث أن ضمان حق التعلم لا يختزل في فتح أبواب المدارس فحسب، بل يتعلّق بقدرة الأطفال على أن يتعلموا فعلاً ويكتسبوا مهارات تحررهم من دائرة الفقر وتمنح مجتمعاتهم أدوات التعافي، والمجتمع الدولي والوكالات الأممية والمانحون والفاعلون الإقليميون أمام اختبار حقيقي إما استعادة مسار التعليم كممر للحياة والكرامة، أو ترك جيل كامل من الأفغان رهينة خسائر إنسانية واجتماعية واقتصادية يصعب علاجها في العقود القادمة بحسب "اليونيسف".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية